فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومعنى {آتوني أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أي أعطوني قطرًا أفرغ عليه، على التقديم والتأخير. ومن قرأ: {ائتوني} فالمعنى عنده تعالوا أفرغ عليه نحاسًا.
والقطر عند أكثر المفسرين النحاس المذاب، وأصله من القَطْر؛ لأنه إذا أذيب قطر كما يقطر الماء.
وقالت فرقة: القطر الحديد المذاب، وقالت فرقة منهم ابن الأنباري: الرصاص المذاب، وهو مشتق من قَطَر يَقطُر قَطْرًا.
ومنه {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر} [سبأ: 12].
قوله تعالى: {فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ} أي ما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوه ويصعدوا فيه؛ لأنه أملس مستوٍ مع الجبل والجبل عالٍ لا يرام.
وارتفاع السدّ مائتا ذراع وخمسون ذراعًا.
وروي: في طوله ما بين طرفي الجبلين مائة فرسخ، وفي عرضه خمسون فرسخًا؛ قاله وهب بن منبه.
{وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْبًا} لبعد عرضه وقوّته.
وروي في الصحيح عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه» وعقد وهب بن منبه بيده تسعين وفي رواية وحَلّق بإصبعه الإبهام والتي تليها؛ وذكر الحديث.
وذكر يحيى بن سلاّم عن سعد بن أبي عَرُوبة عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يأجوج ومأجوج يخرقون السدّ كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدًا فيعيده الله كأشدّ ما كان حتى إذا بلغت مدّتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدًا إن شاء الله فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيخرقونه ويخرجون على الناس» الحديث وقد تقدّم.
قوله تعالى: {فَمَا اسطاعوا} بتخفيف الطاء على قراءة الجمهور.
وقيل: هي لغة بمعنى استطاعوا.
وقيل: بل استطاعوا بعينه كثير في كلام العرب حتى حذف بعضهم منه التاء فقالوا: اسطاعوا.
وحذف بعضهم منه الطاء فقال: استاع يستيع بمعنى استطاع يستطيع، وهي لغة مشهورة.
وقرأ حمزة وحده {فما اسطّاعوا} بتشديد الطاء كأنه أراد استطاعوا، ثم أدغم التاء في الطاء فشدّدها، وهي قراءة ضعيفة الوجه؛ قال أبو علي: هي غير جائزة.
وقرأ الأعمش: {فَمَا اسْتطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسَتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} بالتاء في الموضعين.
قوله تعالى: {قَالَ هذا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي} القائل ذو القرنين، وأشار بهذا إلى الردم، والقوّة عليه، والانتفاع به في دفع ضرر يأجوج ومأجوج.
وقرأ ابن أبي عَبْلة: {هذِهِ رَحْمَةٌ مِنْ ربي}.
قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} أي يوم القيامة.
وقيل: وقت خروجهم.
{جَعَلَهُ دَكَّاءَ} أي مستويًا بالأرض؛ ومنه قوله تعالى: {إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكًَّا} [الفجر: 21] قال ابن عرفة: أي جعلت مستوية لا أكمة فيها، ومنه قوله تعالى: {جَعَلَهُ دكًّا} قال اليزيدي: أي مستويًا؛ يقال: ناقة دكاء إذا ذهب سنامها.
وقال القتبي: أي جعله مدكوكًا ملصقًا بالأرض.
وقال الكلبي: قطعًا متكسرًا؛ قال:
هل غيرُ غادٍ دَكَّ غارًا فانهدم

وقال الأزهري: يقال دككته أي دققته.
ومن قرأ: {دَكَّاءَ} أراد جعل الجبل أرضًا دكاء، وهي الرابية التي لا تبلغ أن تكون جبلًا وجمعها دكاوات.
قرأ حمزة وعاصم والكسائي {دكاء} بالمدّ على التشبيه بالناقة الدكاء، وهي التي لا سنام لها، وفي الكلام حذف تقديره: جعله مثل دكاء؛ ولابد من تقدير هذا الحذف.
لأن السدّ مذكر فلا يوصف بدكاء.
ومن قرأ: {دَكًّا} فهو مصدر دَكَّ يدك إذا هَدم ورَضّ؛ ويحتمل أن يكون جعل بمعنى خلق.
وينصب {دَكًّا} على الحال.
وكذلك النصب أيضًا في قراءة من مدّ يحتمل الوجهين. اهـ.

.قال أبو السعود:

{ءَاتُونِى زُبَرَ زُبَرَ الحديد}.
جمع زُبْره كغرف في غرفة وهي القطعةُ الكبيرة وهذا لا ينافي ردّ خراجِهم لأن المأمورَ به الإيتاءُ بالثمن أو المناولةُ كما ينبىء عنه القراءة بوصل الهمزة، أي جيئوني بزُبَر الحديد على حذف الباء كما في أمرتك الخيرَ، ولأن إيتاءَ الآلة من قبيل الإعانةِ بالقوة دون الخَراج على العمل، ولعل تخصيصَ الأمر بالإيتاء بها دون سائرِ الآلات من الصخور والحطبِ ونحوِهما لِما أن الحاجة إليها أمسُّ إذ هي الركنُ في السد ووجودُها أعزُّ. قيل: حفَر الأساسَ حتى بلغ الماء وجعل الأساسَ من الصخر والنحاس المذابِ والبنيانَ من زُبر الحديد بينها الحطبُ والفحم حتى سدّ ما بين الجبلين إلى أعلاهما وكان مائةَ فرسخ وذلك قوله عز قائلًا: {حتى إِذَا ساوى بَيْنَ الصدفين} أي آتَوه إياها فإخذ يبني شيئًا فشيئًا حتى إذا جعل ما بين ناحيتي الجبلين من البنيان مساويًا لهما في السَّمْك على النهج المحكيِّ، قيل: كان ارتفاعُه مائتي ذارعٍ وعَرضُه خمسين ذراعًا، وقرئ سوّى من التسوية وسُووِيَ على البناء للمجهول {قَالَ} للعَمَلة {انفخوا} أي بالكيران في الحديد المبني ففعلوا {حتى إِذَا جَعَلَهُ} أي المنفوخ فيه {نَارًا} أي كالنار في الحرارة والهيئة، وإسنادُ الجعل المذكور إلى ذي القرتين مع أنه فعلُ الفَعَلة للتنبيه على أنه العُمدة في ذلك وهم بمنزلة الآلةِ {قَالَ} للذين يتولَّوْن أمرَ النحاس من الإذابة ونحوِهما {اتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أي آتوني قِطرًا أي نُحاسًا مذابًا أفرِغْ عليه قطرًا، فحُذف الأول لدِلالة الثاني عليه، وقرئ بالوصل أي جيئوني كأنه يستدعيهم للإعانة باليد عند الإفراغ وإسنادُ الإفراغِ إلى نفسه للسر الذي وقفت عليه آنفًا وكذا الكلامُ في قوله تعالى: {سَاوِى} وقوله تعالى: {أَجَعَلَ}.
{فَمَا اسطاعوا} بحذف تاء الافتعال تخفيفًا وحذَرًا عن تلاقي المتقارِبَين، وقرئ بالإدغام وفيه جمعٌ بين الساكنين على غير حِدَة، وقرئ بقلب السين صادًا، والفاء فصيحةٌ أي فعلوا ما أُمروا به من إيتاء القِطْر أو الإتيانِ، فأفرغَه عليه، فاختلط والتصق بعضُه ببعض، فصار جبلًا صَلْدًا، فجاء يأجوجُ ومأجوجُ، فقصدوا أن يعلُوه وينقُبوه فما استطاعوا {أَن يَظْهَرُوهُ} أي يعلوه ويرقَوا فيه لارتفاعه وملاسته {وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْبًا} لصلابته وثخانتِه، وهذه معجزةٌ عظيمةٌ لأن تلك الزُبَرَ الكثيرةَ إذا أثرت فيها حرارةُ النار لا يقدر الحيوانُ على أن يحوم حولها فضلًا عن النفخ فيها إلى أن تكون كالنار، أو عن إفراغ القِطر عليها فكأنه سبحانه وتعالى صرف تأثيرَ الحرارةِ العظيمة عن أبدان أولئك المباشرين للأعمال فكان ما كان والله على كل شيء قدير. وقيل: بناه من الصخور مرتبطًا بعضُها ببعض بكلاليب من حديد ونحاسٍ مُذاب في تجاويفها بحيث لم يبق هناك فُرجةٌ أصلًا.
{قَالَ} أي ذو القرنين لمن عنده من أهل تلك الديارِ وغيرهم {هذا} إشارةٌ إلى السد، وقيل: إلى تمكينه من بنائه والفضلُ للمتقدم أي هذا الذي ظهر على يدي وحصل بمباشرتي من السد الذي شأنُه ما ذكر من المتانة وصعوبةِ المنال {رَحْمَةً} أي أثرُ رحمةٍ عظيمة عبر عنه بها مبالغةً {مّن رَّبّى} على كافة العباد لاسيما على مجاوريه، وفيه إيذانٌ بأنه ليس من قبيل الآثارِ الحاصلةِ بمباشرة الخلقِ عادةً بل هو إحسانٌ إلهي محضٌ وإن ظهر بمباشرتي، والتعرّضُ لوصف الربوبية لتربية معنى الرحمة.
{فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّى} مصدر بمعنى المفعول وهو يومُ القيامة لا خروجُ يأجوجَ ومأجوجَ كما قيل إذ لا يساعده النظمُ الكريم، والمراد بمجيئه ما ينتظم مجيئَه ومجيءَ مباديه من خروجهم وخروجِ الدجالِ ونزولِ عيسى عليه الصلاة والسلام ونحوِ ذلك لا دنوُّ وقوعِه فقط كما قيل، فإن بعضَ الأمور التي ستحكى تقع بعد مجيئِه حتمًا {جَعَلَهُ} أي السدَّ المشارَ إليه مع متانته ورصانتِه، وفيه من الجزالة ما ليس في توجيه الإشارةِ السابقة إلى التمكين المذكور {دَكَّاء} أي أرضًا مستويةً، وقرئ دكًا أي مدكوكًا مسوَّى بالأرض، وكلُّ ما انبسط بعد ارتفاعٍ فقد اندك ومنه الجملُ الأدكُّ أي المنبسطُ السنام، وهذا الجعلُ وقت مجيءِ الوعد بمجيء بعضِ مباديه، وفيه بيانٌ لعظم قدرتِه عز وجل بعد بيان سعةِ رحمته {وَكَانَ وَعْدُ رَبّى} أي وعدُه المعهودُ أو كلُّ ما وعد به فيدخُل فيه ذلك دخولًا أوليًا {حَقًّا} ثابتًا لا محالةَ واقعًا البتة، وهذه الجملةُ تذييلٌ من ذي القرنين لما ذكره من الجملة الشرطيةِ ومقرِّرٌ مؤكدٌ لمضمونها وهو آخرُ ما حُكي من قصته. اهـ.

.قال الألوسي:

{ءاتُونِى زُبَرَ الحديد} جمع زبرة كغرف في غرفة وهي القطعة العظيمة، وأصل الزبر الاجتماع ومنه زبرت الكتاب جمعت حروفه وزبرة الأسد لما اجتمع على كاهله من الشعر، وأخرج الطشتس عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق ساله عن {زُبَرَ الحديد} فقال: قطعة وأنشد قول كعب بن مالك:
تلظى عليهم حين شد حميها ** بزبر الحديد والحجارة شاجر

وطلب إيتاء الزبر لا ينافي أنه لم يقبل منهم شيئًا لأن المراد من الايتاء المأمور به الايتاء بالثمن أو مجرد لمناولة والايطال وإن كان ما آتوه له لا إعطاء ما هو لهم فهو معونة مطلوبة، وعلى تسليم كون الايتاء بمعنى الإعطاء لا المناولة يقال: إن إعطاء الآلة للعمل لا يلزمه تملكها ولو تملكها لا يعد ذلك جعلًا فإنه إعطاء المال لا إعطاء مثل هذا، ويبنىء عن أن المراد ليس الإعطاء قراءة أبي بكر عن عاصم {رَدْمًا ائتونى} [الكهف: 95، 96] بكسر التنوين ووصل الهمزة من أتاه بكذا إذ جاء به له وعلى هذه القراءة نصب {زُبُرًا} بنزع الخافض أي جيئوني بزبر الحديد وتخصيص زبر الحديد بالذكر دون الصخور والحطب ونحوهما لما أن الحاجة إليها أمس إذ هي الركن القوي في السد ووجودها أعز.
وقرأ الحسن {زُبُرِ} بضم الباء كالزاي {حتى إِذَا ساوى بَيْنَ الصدفين} في الكلام حذف أي فأتوه إياها فأخذ يبني شيئًا فشيئًا حتى إذا جعل ما بين جانبي الجبلين من البنيان مساويًا لهما في العلو فبين مفعول ساوى وفاعله ضمير ذي القرنين، وقيل: الفاعل ضمير السد المفهوم من الكلام أي فاتوه إياها فأخذ يسد بها حتى إذا ساوى السد الفضاء الذي بين الصدفين ويفهم من ذلك مساواة السد في العلو للجبلين، والصدف كما أشرنا إليه جانب الجبل وأصله على ماقيل: الميل، ونقل في الكشف أنه لا يقال للمنفرد صدف حتى يصادفه الآخر ثم قال: فهو من الأسماء المتضايفة كالزوج وأمثاله، وقال أبو عبيدة: هو كل بناء عظيم مرتفع ولا يخفى أنه ليس بالمراد هنا.
وزعم بعضهم أن المراد به هنا الجبل وهو خلاف ما عليه الجمهور، وقرأ قتادة سوى من التسوية.
وقرأ ابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم {سووى} بالبناء للمجهول، وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو. وابن عامر. والزهري. ومجاهد. والحسن {بَيْنَ الصدفين} بضم الصاد والدار وهي لغة حمير كما أن فتحهما في قراءة الأكثرين لغة تميم، وقرأ أبو بكر وابن محيصن. وأبو رجاء. وأبو عبد الرحمن {الصدفين} بضم فسكون وقرأ ابن جندب بفتح فسكون، وروي ذلك عن قتادة، وفي رواية أخرى عنه أنه قرأ بضم ففتح وهي قراءة أبان عن عاصم، وقرأ الماجشون بفتح فضم. {قَالَ} للعملة {انفخوا} أي بالكيران في زبر الحديد الموضوعة بين الصدفين ففعلوا {حتى إِذَا جَعَلَهُ} أي جعل المنفوخ فيه {نَارًا} أي كالنار في الحرارة والهيئة فهو من التشبيه البليغ، وإسناد الجعل المذكور إلى ذي القرنين مع أنه فعل الفعلة للتنبيه على أنه العمدة في ذلك وهم بمنزلة الآلة {قَالَ} الذين يتولون أمر النحاس من الإذابة وغيرها، وقيل لأولئك النافخين قال لهم بعد أن نفخوا في ذلك حتى صار كالنار وتم ما أراده منهم أولًا {ءَاتُوني} من الذين يتولون أمر النحاس {اتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أي آتوني قطرًا أفرغ عليه قطرًا فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، وبه تمسك البصريون على أن إعمال الثاني في باب التنازع أولى إذ لو كان {قِطْرًا} مفعول {ءاتُونِى} لأضمر مفعول {أَفْرِغْ} وحذفه وإن جاز لكونه فضلة إلا أنه يوقع في لبس والقطر كما أشرنا إليه النحاس المذاب وهو قول الأكثرين، وقيل: الرصاص المذاب، وقيل: الحديد المذاب وليس بذاك، وقرأ الأعمش، وطلحة، وحمزة، وأبو بكر بخلاف عنه {ائتونى} بهمزة الوصل أي جيئوني كأنه يستدعيهم للإغاثة باليد عند الإفراغ، وإسناد الإفراغ إلى نفسه للسر الذي وقفت عليه آنفًا، وكذا الكلام في قوله: {اجعل} وقوله: {سَاوِى} على أحد القولين. {فَمَا اسطاعوا} بحذف تاء الافتعال تخفيفًا وحذرًا عن تلاقي المتقاربين في المخرج وهما الطاء والتاء وقرأ حمزة، وطلحة بإدغام التاء في الطاء وفيه جمع بين الساكنين على غير حدة ولم يجوزه أبو علي وجوزه جماعة، وقرأ الأعشى عن أبي بكر {فَمَا} بقلب السين صادًا لمجاورة الطاء، وقرأ الأعمش {مكانتهم فَمَا استطاعوا} بالتاء من غير حذف والفاء فصيحة أي ففعلوا ما أمروا به من إيتاء القطر أو الإتيان فأفرغ عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض فصار جبلًا صلدًا فجاء يأجوج ومأجوج وقصدوا أن يعلوه وينقبوه فما اسطاعوا {أَن يَظْهَرُوهُ} أي يعلوه ويرقوا فيه لارتفاعه وملاسته، قيل: كان ارتفاعه مائتي ذراع، وقيل: ألف وثمانمائة ذراع {وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْبًا} لصلابته وثخانته قيل: وكان عرضه خمسين ذراعًا وكان أساسه قد بلغ الماء وقد جعل فيه الصخر والنحاس المذاب وكانت زبر الحديد للبناء فوق الأرض، ولا يخفى أن إفراغ القطر عليها بعد أن أثرت فيها حرارة النار حتى صارت كالنار مع ما ذكروا من أن امتداد السد في الأرض مائة فرسخ لا يتم إلا بأمر إلهي خارج عن العادة كصرف تأثير حرارة النار العظيمة عن أبدان المباشرين للأعمال وإلا فمثل تلك الحرارة عادة مما لا يقدر حيوان على أن يحوم حولها ومثل ذلك النفخ في هاتيك الزبر العظيمة الكثيرة حتى تكون نارًا، ويجوز أن يكون كل من الأمرين بواسطة آلات غريبة أو أعمال أوتيها هو أو أحد ممن معه لا يكاد أحد يعرفها اليوم، وللحكماء المتقدمين بل والمتأخرين أعمال عجيبة يتوصلون إليها بآلات غريبة تكاد تخرج عن طور العقل وهذا مما لا شبهة فيه فليكن ما وقع لذي القرنين من ذلك القبيل، وقيل: كان بناؤه من الصخور مرتبطًا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها بحيث لم يبق هناك فجوة أصلًا.